الثلاثاء، 15 يناير 2019

الشاعر رشيد هاشم .. نداء خفي

(((   نداء خفي

1
هل يسير الكون في درب الفناءْ
أم يسير الكون في درب الخلودْ .؟
أمْ  فناءٌ بَعده الخُلْدُ فهل . . . يرتجي الخُلدُ فناءً يبتديهْ .؟
أوَ ما كان فناءً وابتدا . . .  لِمَ لا يبقى بحالٍ هو فيهْ
أين كُنّا كيف جئنا فغدونا  . . . في وجودٍ كنههُ ليس نعيهْ
ما القوانين التي تقتادُنا  . . . نحن لا نعلمُ شيئاً نهتديهْ

كُلُّها أسئلةٌ ليس لها  . . . من جوابٍ يا تُرى أين الجوابْ .؟
هل حدود الفكر فينا رَضِيَتْ  . . . بجوابٍ تائهٍ بين الضبابْ
فنداري العيبَ في إدراكنا   . . . ثُمَّ نرضى بالذي فيهِ نُعابْ
إنَّ سِرَّ الكون لا شكَّ به  . . . كلُّ سِرٍّ منه نرجو الإقترابْ

ليس بِدءُ الكون سرّاً غامضاً  . . . إنما السرُّ تُرى مِن أين جاء
ونقول الشيء موجود إذا  . . . ما تحسسنا فما معنى البقاء
كم أمور نحن لا ندركها  . . . باقيات موغلات في البقاء
إنما مقياسنا نحن لنا . . .  والمقاييس لها ما لا نشاء

ربما نجهل ما في أرضنا  . . . كيف ندري بالذي خلف النجوم
أي شيء آخر الأشياء هل  . . . هو بِدء  الشي في  رأي  العلوم
والفضاء  الواسع  الأرجاء  هل . . .  في انطواءٍ  دائِمٍ أم  لا يدوم
إنّ في  "النسبيَّة"ِ العلم الذي  . . . ليس ينأى عنه ذو الفكر السليم
2
مَن يناديني بهذا الليل مَنْ ..؟ . . . غارقٌ فكري وحولي ألفُ ظَنْ
  مَن يناديني لكي أرحلَ عن  . . .  منهجِ الناسِ وأقطار الزمنْ
بِنِداءٍ نابعٍ مِن منطِقٍ . . .   ثائرٍ في السرِّ مدحورِ العَلَنْ
ضَيِّقٍ في طُرُقِ الشكِّ لهُ  . . . طُرُقٌ أوسعُ في أقوى الفِطَنْ

وانفعالاتٌ وأفكارٌ بها  . . . لا أرى الكونَ كما كنتُ أراهْ
  إنّما ينقَعِرُ الفِكْرُ على  . . . ما عليهِ اعتادَ أيّامَ صباهْ
ثُمَّ ينقادُ لما انقادَ له . . .  موكبُ الخَلْقِ  فتنزاحُ رؤاهْ
  هكذا نحن وكم قد دُثِرَتْ . . .  فكرةٌ في الفِكْرِ مما قد جناهْ

ثُمَّ صرنا بجمودٍ شامِلٍ  . . . ليس نرضى أنْ نرى فيه جمودْ
ونسِينا كم نقاشٍ ثائرٍ  . . . غُلِقَتْ أبوابُهُ  عِبرَ العُهودْ
أين كُنّا زمن الماضي السحيق
وأين الروحُ مِن محض الوجودْ .؟

أيها الساهِرُ مَلَّتكَ  الرؤى  . . . أ عَشِقْتَ العُمْر في صَرح الخيالْ ؟
أتُرى تبغي اكتمالاً ما له  . . . في عقول الناس أشكال الكمالْ
عشْ كما عاش الورى إن لم تجد  . . . من يحب العيش في أعلى الجبالْ
لست تدري  ربما أنت لدى . . .  جدل يرديك في بحر الجدالْ

أيها الساهر نم إنّ الورى  . . . نُوَّمٌ لم يعشقوا وقت السهرْ
أسروا الأرواح في أجسادهم  . . . وهمُ أسرى لناموس القدرْ
ما بأيديهمْ سوى أن يخضعوا  . . . لقوانين تناهت في الصغرْ
فقيودٌ قيَّدت أفكارهمْ  . . . وقيودٌ لانتقادات البشرْ

وكأنّي أقبس الأفكار من  . . . عالم خلف بحور من خيال
  خارق الأوصاف مكنون به  . . . كل ما كان لدى الذات وزالْ
رائع المرقى سوى أنَّ له  . . . طرقاً صعب على الفكر تنالْ
إنما نحن على قمتنا  . . . حجر بين جبال وتلالْ

أيها الساهر قول ضائع  . . . هذه الدنيا وبدر ساطعُ
أنت من أنت؟ اندثارٌ مثل مَنْ  . . . ذهبوا إن أنت إلاّ طائعُ
أيها الساهرُ لا الفكرُ له . . .  من حدودٍ فهْوَ عنها راجعُ
منتهى الضعف  إذا حَلَّ بهِ  . . . قَدَرٌ   فهْو مَقُودٌ خاضعُ

أيها الساهر مَن يعرفُ مَن . . .  إنْ يجِدَّ الجد أو يقوى العَنَتْ
لا تُغَرَّرْ بكلامٍ عابرٍ  . . . فإذا ما نطق الحقُّ سَكَتْ
فالمعاني أوجَدَتها فِكَرٌ  . . . وأمورُ الغيبِ عنها اتَّسَعَتْ
لا يُداني كُنْهَها مُتَّسَعٌ  . . .  في عقولٍ في مداها رُبِطَتْ      

قَدَرُ الدنيا بأنْ ليس بها  . . . مَن يرى الكونَ بآلاف الوجوهْ
ليس في النُسكِ خُمودٌ إنما . . .  عَبَقُ الدين بعِلمٍ هو فيهْ
منهجٌ يمشي به الناسُ له  . . . ألفُ بابٍ واحدٌ همْ داخلوهْ
فكأنَّ الدين في أفكارهمْ  . . . مسلك يُفضي لما هم يشتهوهْ

كلُّ شيءٍ لو تفكَّرنا به . . .  لَوَجدناهُ تعابيراً غريبةْ
ربما ينطقُ في كيفِيَّةٍ  . . . ما لنا من لغةٍ منها قريبةْ
إنْ عَجِبْنا مِنْ أُمورٍ عَجَبٍ . . .  فحياةٌ نحن فيها لَعَجيبةْ 
فسلكنا سُبُلاً ما اشتَمَلَتْ  . . . دِقَّةَ الدنيا بآفاقٍ رحيبةْ

إِذْ مَشينا خلفَ مَن قد سَلَفوا  . . . وعرَفنا بعضَ ما قد عرَفوا
وتَبعناهم بِعاداتِهمُ  . . . ما لدينا مَنهَجٌ مُختلِفُ
ما لدينا من جَديدٍ في الرؤى  . . . بلْ تَبِعنا فكرَ ما قد خلَّفوا
وعلى ذاكَ يسيرُ الناسُ ما  . . . مِن جريءٍ للرؤى يَنتَصفُ
3
تَحكمُ الناسَ مجاهيلٌ لها . . .  سَلَّمَ الناسُ ولم يستفسروا
أتُرى ما الروحُ ما حَلَّ بمَنْ  . . .  ماتَ حتّى ما لديهِ أثَرُ
ما الذي سوف يلاقي كونُنا . . .  لِيقومَ العُدْمُ  ...  هذا البَشَرُ
أتُرى ما ذلك النفثُ الذي . . .  يبعثُ الروحَ بمن قد قُبِروا

أمْ  نظامٌ   ثابتٌ  مبتعدٌ . . .  عن قوانينَ  بها  نحن  نسيرْ
ليس فيما بيننا من شَبَهٍ  . . .  في  ابتداءٍ  ومسيرٍ  ومصيرْ
عبثاً ينقادُ مَن  يقتادُنا  . . . لأُمورٍ شأنُها الشأنُ الحقيرْ

عَلَّنا نفقهُ ما نحن  بهِ . . .  من وجودٍ نحن لا نعرفهُ
فقد اعتدنا على ظاهِرِهِ . . .  فنجاريهِ ولا  نكشِفُهُ
نألَفُ الدهرَ على أحوالِهِ  . . . لانعاديهِ ولا نسعِفُهُ
بكلامٍ قَلَّ من يعرفُهُ   . . .   وحديثٍ   فوقَ  ما  نألَفُهُ

فحديثٌ قُنِصَتْ  أفكارُهُ   . . .   من كلام الغيب أو عمق  الضميرْ
كُلَّما حدَّثتُ نفسي  لا  أرى   . . .   من حدودٍ لاكتئابٍ  وسرورْ
فكأنَّ  الكونَ  في آخِرِهِ    . . .  كُلُّهُ  نحو سكونٍ  ودُثورْ
كلُّ شيءٍ فيه معنىً  زائلٌ   . . .  ليس شيءٌ يحمل المعنى الكبيرْ

كلُّ شيءٍ سنراهُ فوقَ  ما   . . .  قد ألِفناهُ  بتفكيرٍ جديدْ
ربَّما يبدو لنا  مختلفٌ   . . .    إنْ تفكَّرنا به لا  كالجدودْ
لِمَ لا نخرجُ عن مسلكهِمْ   . . .    لِمَ لا نتَّهِمُ الفِكْرَ  السديدْ
إنَّما نحيا سنيناً قَصُرَتْ   . . .  كيف يحوي الدهرَ ذا الفكرُ الوليدْ

عَجَباً نستشعرُ الناسَ ولا . . .  نرتضي عيشَهُمُ  فيما  نراهْ
هُمْ مساكينٌ بما لَمْ  يعرفوا   . . .  كُلُّهُمْ يسعى على  قدر  مناهْ
وعلى ذاكَ نظامُ الأرضِ في  . . . مَعْزِلٍ عن منهجِ الكونِ رؤاهْ
غير أنَّ العالَمَ العُلوي بهِ  . . . يتسامى دون حدٍّ منتهاهْ

يتجلّى رحمةً ليس لها  . . . طُرُقٌ  للظُلْمِ والشكِّ الكثيرْ
عالَمٌ في  كلِّ  ذاتٍ رغبةٌ  . . . للقوانين التي  فيها يسيرْ
غير أنَّ العيشَ فيه  مُطلَقٌ  . . .  لانبعاث الروح والوعد  الأخيرْ
فقيودٌ نحن  فيها  دونهُ  . . . شغلتنا عنهُ بالأمر  الصغيرْ

كيف يسري نحو أفكاريْ  النَظَرْ
وبها  ذكرى   لآلاف   الصُوَرْ
نحنُ لا نعرف كيف اتَّفَقَتْ  . . . موجةُ الضوءِ وأعماقِ  الفِكَرْ
نحن في تكويننا أعقدُ مِنْ  . . . أنْ ينالَ الفِكْرُ مِنّا  مُستَقَرْ
أ فَهل أعظمُ من  أنظِمةٍ   . . . كلُّ طولٍ قربها فيهِ قِصَرْ

أيُّ كونٍ نحنُ  فيهِ ما  لنا  . . .  لَمْ  نجدْ حتّى سبيلاً لِحوارِهْ
هل لنا عقلٌ لكي يُرشدَنا  . . . أنَّ للروح  سبيلاً في  مسارِهْ
إن يكُنْ من عِظَمٍ مقتدراً  . . . كيف نغدو فوقَ آفاقِ اقتدارِهْ .؟
فتعالى الملك  الحقُ  الذي . . .  جعل الكون  دليلاً  لِاعتبارِهْ

إنْ يشأْ ما انفتحَ الكونُ   . . . لنا كي نرى آياتِ خلاّقٍ عظيمْ
بوجودٍ يهتدي الفِكْرُ بهِ  . . . أنّهُ  من  حِكَمِ  الله  الحكيمْ
لو عرفنا شأننا لَانتَفَضَتْ  . . . رقَّةُ التقديسِ في  الفِكْرِ  السليمْ
وتركنا سُبُلَ الشكِّ بربٍّ لنا أيِّ  رحيمٍ وكريمْ

ذلك الرحمن  أعلى  قِيَماً  . . . ذلك الملجأُ  عمّا لا  نُطيقْ
مَن ترانا كي  نُداري  فِكَراً . . .  ضَيِّقاتٍ عن وجودٍ لا يضيقْ
فمن الأجدَرِ إنْ لَمْ  نستَطِعْ  . . . رؤيةَ الغيبِ نرى  الماضي السحيقْ
أو نَرى في الأمس ما  يُرشِدُنا . . .  عن غدٍ إنْ كانَ مِن بعضِ الطريقْ

ليس يرضى الله بالجهلِ وقد  . . . وَهَبَ اللهُ لنا الفِكْرَ الوجيهْ
فمِن الأجْدَرِ أنْ  لا  نقتفي  . . . غيرَ هديِ الله فيما  نقتفيهْ
كُلُّ شيءٍ كائنٌ في  حُكمِهِ  . . . لا يعي من لا يرى ما هو فيهْ
كُلُّ حَقٍّ دونهُ  مندَحِرٌ  . . . كُلُّ دربٍ دونهُ فيهِ نتيهْ
--
شعر/ د. رشيد هاشم الفرطوسي
صنعاء-20/2/2000

ليست هناك تعليقات:

ملاك حماد تكتب ... نقطة البداية

لِنتحدث بالعامية هذه مرة علّنا نلامس القلوب 🤍 أحياناً ما بنعرف نقطة البداية بكتير أمور بس نقطة بدايتنا إحنا شخصياً قصة كاملة أو منعطف ما بع...