((… الشوق في أعتى لواعجه…))
قدْ غادرُونا قبيلَ الفجرِ و انطلقُوا
لتستفيقَ على وقعِ الخطا الطُّرقُ
غابُوا عنِ العينِ إلَّا أنَّ صورتَهمْ
مرسومةٌ تعبَتْ منْ حملِها الحدقُ
و دمعةٍ في شؤونِ العينِ جاريةٍ
حبستُها عنوةً أو كدتُ أختنقُ
سارُوا بعيداً و كانَ القلبُ بينَهمُ
يغفو قليلاً و أحياناً لهُ نزقُ
روائحُ الزَّهرِ ما زالتْ ترافقُهمْ
حتَّى القرنفلُ و النَّسرينُ و الحبقُ
كالنَّارِ بعدهمُ في الجسمِ محرقةٌ
و لو تحنُّ فما زالتْ لها حرقُ
كأنَّما مهجتي صارتْ ممزقةً
بكلِّ جزء على أشلائها مزقُ
لو كنتُ أعلمُ ما أحببتُهمْ أبداً
ليتَ الأحبَّةَ ما حبُّوا و ما عشقُوا
كنبتةٍ حملتْ بذراً بداخلِها
فهبَّتِ الرِّيحُ طشَّتها كما افترقُوا
و لستُ مصطبحاً بالرَّاحِ تؤنسُني
و لو تلفتُ جوىً ما كنتُ أغتبقُ
و لستُ يعقوبَ كانَ الحزنُ ديدنَهُ
و لا كيوسفَ إذْ إخوانُهُ اتَّفقُوا
أنْ يجعلوهُ بجبٍّ في غيابتِهِ
ظنُّوا بأنَّهمُ منْ ربِّهمْ أبقُوا
و ليتَ جبَّاً يواريني كما فعلُوا
و إنَّهمْ كذبُوا في قولِ: (نستبقُ)
صارتْ لياليَّ تنعى صبحَها سلفاً
و كمْ بمثلي و حالي يفتكُ الأرقُ
وإنَّما الصُّبحُ يأتي في مواعدِهِ
لكنَّ صبحيَ في أنوارِهِ الغسقُ
تلقَّفَ البحرُ أشواقي فهامَ بها
فعادَ مكتئباً يحلو لهُ الغرقُ
و قالَ إنَّي كما أنتمْ يحركُني
نحوَ الشَّواطئِ شوقٌ ما لهُ أفقُ
كأنَّني شجرٌ أضحى بمستبقٍ
والجذعُ يركضُ والأغصانُ والورقُ
فأضحتِ الأرضُ جرداءً بلا شجرٍ
و غادرتْها مياهُ النَّهرِ و الغدقُ
هذا هوَ الشَّوقُ في أ عتى لواعجِهِ
مهرٌ طليقٌ بكلِّ الأرضِ ينطلقُ
كأنَّما الرِّيحِ بعضٌ منْ صنائعِهِ
تؤجِّجُ النَّارَ كيما نحنُ نحترقُ
و صرتُ فيها و لا ماءٌ ليطفئَها
(يا نارُ كوني) فجسمي كلُّهُ عرقُ
و طادرتْني همومٌ لا انجلاءَ لها
و سابقونا و ظنُّوا أنَّهمْ سبقُوا
لولا ثيابي تغطيني و تسترُني
بطني بظهري منَ الأدواءِ يلتصقُ
قلبي بصدري ضجَّاتُ الحنينِ بهِ
مثلُ النَّوافذِ في الأرياحِ تصطفقُ
قالوا سنرجعُ و التَّسويفُ دأبُهمُ
قلْ لي بربِّكَ يا قلبي بمنْ تثقُ
عبدالرزاق الأشقر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق