عاد إلى مدينته بعد أن وضعت الحرب أوزارها .. وقف على أطلالها .. فقال :
تحت الرُّكام سناها و اسمها اندثرا
حزنٌ ألمَّ بها قد فتَّتَ الحجرا
رأيتُ ظلمةَ ليلٍ في أزقَّتِها
كأنَّ حزنَ سماها أطفأ القمرا
تخالُها ثَمِلَتْ و الخمرُ أرهقَها
سقفٌ و أعمدةٌ مالتْ بها سَكَرَا
في كلّ زاويةٍ دارٌ مهدَّمةٌ
كما ترى طُرقاتٍ أُثُقِلَتْ حُفَراً
كلُّ الورودِ بها من حزنِها ذَبُلَتْ
و القهرُ يبَّس في بستانِهِا زَهَرَا
و الحربُ أضفتْ على أتلالها كلحاً
في حقلِها عنبٌ من جمرها اختمرا
يبدو الخريفُ على أشجارِ حقلتِها
زيتونُها في رحى البارودِ قد عُصِرَا
تُسقى بماءٍ من الأحزانِ صِبْغَتُهُ
نبعٌ من الحزنِ من أوراقِها انفجرا
تنوحُ في جنباتِ الأرضِ صارخةً
كالأمِّ ثكلى .. جرتْ دمعاتُها نَهَرِا
في الخدِّ كالحةٌ في الوجهِ مظلمةٌ
فالحربُ ألقتْ على وجناتِها غَبَرا
قرأتُ في عينِها آنَّاتِ باكيةٍ
في الثَّغرِ آهاتِ لحنٍ مزَّقتْ وترا
و كلُّ شيءٍ يحاكي القهرَ أغنيةً
فالشَّرُ من طرقاتِ الحيِّ قد عَبَرَا
و كلُّ ذكرى على حيطانهِ مُزِقَتْ
فالحربُ من جدرٍ قد أسقطتْ صورا
غزَّت حشائي بأسيافٍ تمزِّقني
و القلبُ أضحى من الأشجانِ منكسرا
هذي دياري رياحُ الدَّهرِ تضربُها
لكنْ سأبقى بها ..لن أطلبَ السَّفرا
حتَّى و لو نمتُ في عرضِ الطَّريقِ بها
سأعمرُ الدّارَ فيها أنحتُ الصَخَرَا
حسان يوسف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق