الخميس، 30 نوفمبر 2017

الشاعر فارس دعدوش .. اعتكاف في محراب البردة

(اعتكافٌ في محرابِ البردة)

أودعْتُ فيكَ عبيرَ الوردِ إذْ عَبَرا
و رحْتُ أسردُ فيكَ الشعرَ للشُّعَرا
صعدت منبرَ إيماني
وَ رُحْتُ بِهِ
أشدو هواكَ فَلا ألقى بِهِ ضررا
سوى ذنوبي
و قد جاءَتْ معاتبةً
جفناً تنحّى لدمعٍ ضجَّ وانفجرا
و رحْتُ أذرفُ دمعَ الشوقِ مُرتعشاً
حتّى خبرْتُ لهيبَ الشوقِ مستعرا
ريمٌ على القاعِ أضناني
ولم أرَهُ
فكيْفَ لو كنْتُ -يا ويحي- إليه أرَى
مكّنْتُهُ خافقاتِ القلبِ فانجرفَتْ
تسعى لرؤياهُ إنْ ما حلَّ أو هجرا
يا ويحَ نفسي وقد هامَت بغيبتِهِ
ما حالُ نفسي إذا في الروحِ قد وقرا
و قلْتُ:
ما لي أرى الرحمنَ يمنحُني صكَّ المشاعرِ
والرحمنُ ما شَعَرا
و خِلْتُ مَسّاً أحاطَ النفسَ
أودعَها سحراً
فأحكمَ مِنْها العشقُ ما سَحَرا
فَغبْتُ عنّي
ولم تجمعْني معجزةٌ
هيهاتَ يجمعُ سحرُ العشقِ ما كَسَرا
أُملي سطوري
و ليلُ الشعرِ دفترُها
ما ازدادَ حسّي بِها بَرْداً و لا فَتَرا
يا نفسُ ذوقي نسيمَ الوحيِ
واغتنمي عفوَ الإلهِ على من تابَ واعتبرا
ولتحسبيها
من الرحمنِ تذكرةً
فيها النجاةُ لِمَنْ يهوى بِها سفرا
صلّى خشوعاً على أعتابِ غربتِهِ
ثمّ استراحَ من الدنيا إذا ذَكَرا
همّاً وغمّاً وآلاماً مُهيمنةً
تقضي عليهِ بِحكمِ الدهرِ إذْ أَمَرا
يا نفسُ كُفّي عتابَ الدهرِ
واستلمي
منهُ الوصايةَ عمّا غابَ واستترا
ظبيُ القدامى بِهجرانٍ يعلّلُنا
ما زالَ ينأى
وفينا الآنَ قد حَضَرا
يُهدي إليْنا وداعتَهُ و رغبتَهُ
بِأنْ نعيدَ لهُ التيجانَ و الدُّررا
حتّى نظلَّ على رهنٍ لِنظرتِهِ
و لا نديرَ عليه العينَ و البصرا
ردَّ الغزالُ أسوداً مِن جراءَتِهِ
لمّا بِوجهِ أسودِ السطوِ قد زَجَرا
وَ ماسَ قدٌّ بِعينِ الحُسنِ فانبجسَتْ
مِنْهُ اثنتانِ إلى عشرٍ أتَتْ زُمَرا
مِنْ كلِّ رمشٍ هوى سيفٌ معالمُهُ
حزَّتْ جفونَ قويِّ العينِ إنْ نَظَرا
فالكلُّ أمسى صريعَ الحُسْنِ مختبئاً
خلفَ الستارِ يردُّ الكيدَ و الضجرا
كَمْ من حكيمٍ أتاهُ الظبيُ حِنكتَهُ
فأورثتْهُ غيابَ الوعيِ والكدرا
وأثملتْهُ
فلا كأسٌ أطاح بِهِ
مِن قبلِ شُربٍ تراهُ الآنَ قد سَكِرا
يا نفسُ هَوْنَاً على نفسي ومحنتِها
ولا تُشيعي لِما ربّي بِها سَتَرا
في حُسْنِ يوسفَ تأويلٌ يعذّبُها
كَم مِن زليخةَ في روحي
غَدتْ صُوَرا
تَعمى عيوني
كما يعقوبُ إن عَقَدَتْ
بي حاجبيْها
ولم تحللْهُما سَمَرا
أين القميصُ لِيشفيني بشمّتِهِ
مِنْ ريحِ أحمدَ حِزْتُ السمعَ و البصرا
قد أورثتْني صباباتُ الغرامِ بِهِ
شأنَ الجنونِ
وما جُنَّ الذي انقهرا
هيمانَ أمشي
على أرضٍ تلاحقُني
لا شيءَ فيها ينالُ الصبُّ إنْ صَبَرا
أيّوبُ نالَ ثوابَ الصبرِ
فازدهرتْ منهُ الملامحُ لمّا شعّ وازدهرا
أوصى لِمثلي بإيفاءِ الديون
وما يدري بأنّي قضيتُ الدهرَ مُصْطَبِرا
جفْني يعضُّ على عيني إذا حلمتْ
و الحلمُ أضحى ببابِ الغيبِ مُنحسِرا
و اشتقْتُ حُضْناً
إلى نفسي يطمئنُها
ما ضمّ صدري حبيبٌ جاءَ مُنتصِرا
حتّى رأيْتُ رسولَ اللهِ يضممُني
وَ قمْتُ أحضنُ فيهِ الشمسَ و القمرا
شمسُ الحنانِ
و شمسُ الدفءِ ضمّتُهُ
و الشمسُ ليسَتْ نذيرَ النّارِ إن نَذَرا
بالشمسِ نعرِفُ نورَ اللهِ في زمنٍ
لا شمسَ فيهِ
ولا حقٌّ لنا ظَهَرا
و البدرُ لاحَ على وجهِ النبيّ
فلم يخشى الملامةَ ذاك البدرُ إن سَهِرا
لكنّهُ
حينَ أنهى البدرُ سَكْرَتَهُ
أفاقَ حتّى رأى العدنانَ فانبهرا
و راحَ يسجدُ مِن إجلالِ هيبتِهِ
خجلانَ يبكي
على ما كان مُعتذِرا
و صحْتُ مهلاً
كفى باللهِ
أيّكما أبهى و أحلى
فَصاحَ اللهُ مقتدرا
قُمْ للنبيِّ وقلْ للبدرِ يعشقُهُ
لولا محمدُ ذاكَ البدرُ ما ظَهرا
يا سيّدي يا رسولَ اللهِ يا قمرا
تخفي الجلالةَ في جنبيْكَ و القمرا
ما كنْتَ تشبِهُ لا إنْساً ولا مَلَكَاً
ولسْتَ جانَاً
ولسْتَ الريمَ حينَ جرى
ولسْتَ ربّاً على قومٍ بِسلطنةٍ
ولسْتَ حُكْماً قضى أمراً
ولا قدرا
قالوا مليكاً
وما للملكِ مِنْ دِعَةٍ
والتاجُ يورثُ أشرارَ الأنامَ شِرا
ولا أميراً له فضلٌ بِإمرتِهِ
حاشاكَ يدنو إليْكَ الأمرُ و الأُمَرا
يكفيكَ فخراً من الباري ومكرمةً
أنْ كُنْتَ أحمدَ مَنْ كانوا له وُزَرا
توراةُ موسى
و إنجيلُ المسيحِ إلى بشراكَ ساروا
و جاءَ الحقُّ و ابتشرا
حتّى تمرّدَ أهلُ الفيلِ إذْ قدمُوا
مِنْ غيرِ حقٍّ أرادُوا هدمَ ما اشتهرا
بيتاً حراماً بِهِ التاريخُ مندمجٌ
و اللهُ أهدى لَهُ من فضلِهِ حَجَرا
يكادُ ينْطقُ مِنْ إجلالِ مقدسِهِ
لولا حياءٌ هداهُ العفوَ و الحذرا
جاءَ الغزاةُ بِجيشٍ ما لَهُ عددٌ
فلا عقولٌ تعي كمْ قلَّ أو كَثُرا
ملأى بقاعُ بني قحطانَ قاطبةً
حتّى كأنَّ شَرارَ الخلقِ قد حُشِرا
لكنَّ ربَّك فوقَ العرشِ زلزلَهم
فانظرْ لِجيشٍ غدا في الرملِ مُندثِرا
والطيرُ ردّتْ بِسجّيلِ الهدى خَسَفَاً
ما اجتاحَ مكّةَ كُرمى عينِ مَنْ عَمِرا
و أينعَ الشرقُ من نورٍ إذا وضعَتْ
أمُّ النبيِّ بِأرضِ المشرقِ القمرا
و مادَ كسرى و عرشُ الفرسِ مرتجفٌ
و الرّومُ خابَتْ إذا ما ماكرٌ مَكَرا
كانَ المحمدُّ مِنْ خيرِ النساءِ و ما
في الأرضِ خيرٌ من المحمودِ إن ذُكِرا
شقَّ الأمينُ بِهِ صدراً وَ بدّلَهُ
أمراً عظيماً من الرحمنِ قد صَدَرا
و ارتدَّ نوراً وما عافَ ابتسامتَهُ
سبحانَ صدرٍ لأمرِ اللهِ قد نُذِرا
ما كانَ يعبُدُ أصناماً لها سجدَتْ
هامُ الجبابرِ عن جهلٍ بِهم ظَفَرا
بَلْ راحَ يبحثُ عن ربٍّ يحاورُهُ
بينَ الجبالِ وحيداً لا يرى بشرا
حتّى أتمَّ ربيعَ الأربعينَ بِهِ
جاءَ الملاكُ و قالَ (اقرأ) فَما شَعَرا
روحي الفداءُ لغارٍ كُنْتَ جالسَهُ
من حرِّ حبِّكَ قالوا عنهُ غارُ حِرا
فيهِ العروبةُ تبدو الآنَ ناقصةً
حَيْرى تلملمُ شملَ النصرِ إن جُبِرا
و النصرُ ضاعَ مع الإسلامِ يا أسفاً
من حالِ قومٍ أضاعُوا الحقلَ و الثمرا
باعُوا القضيّةَ إسرائيلَ و ارتعشُوا
خوفاً و صار مليكُ القومِ مُحتَقَرا
لا السيفُ سيفٌ ولا الإسلامُ ديدنُهُ
جارَ الملوكُ على شعبٍ بِهم جَهَرا
والشامُ غرقى و بغدادٌ تَئِنُّ لَها
و القدسُ ضاعَتْ فلا طوبى لمن كَفَرا
حُكّامِ كأسٍ و قيناتٍ و راقصةٍ
إبليسُ منْهم توخّى الأمنَ و الحذرا
طوبى لماضٍ رعى الأصحابُ هيبتَهُ
هلْ مَنْ يردُّ لنا عثمانَ أو عُمَرا
هلْ مَنْ يعيدُ أبا بكرٍ و سنّتِهِ
أو مَنْ يعيدُ عليّ الحيدر الحدرا
قالَ الحسينُ سلامُ اللهِ زيّنَهُ
إنّي بنُ بنتِ نبيِّ الله مذ فُطِرا
لمّا خرجْتُ على الكفّارِ مرتجلاً
ما كنْتُ أخرجُ لا أشِراً و لا بطرا
لكنْ أردت صلاحَ الأمرِ في وطنٍ
مِنْهُ استراحَ سلامُ اللهِ و انحظرا
دانَتْ لداعشَ من عهدِ الوليدِ هنا
آياتُ فتحٍ مزلزلةٍ رمَتْ سُوَرا
بِسمِ الإلهِ أتى شيخً ليذبحَنا
بِسمِ الإلهِ أتمَّ الأمرَ إذ نَحَرا
يقضي بأنَّا مع الكفارِ نشركُهُم
في النّارِ ناراً إذا نصْلى غداً سَقَرا
تبّتْ يداهُ و تبّتْ كلُّ نافذةٍ
منّا تشوِّهُ هذا الدينَ مُذْ نُشِرا
كانَتْ خديجةُ يومَ الوحيِ ساكتةً
قامَتْ تزمّلُ (طه) بِالردا أُطُرا
حتّى استعادَ قواهُ الآنَ مُنتشياً
و طابَ عيشاً على ما كانَ مُفْتَقِرا
نَحْوَ المدينةِ مالَتْ كلّ قافلةٍ
من أجلِ حقنِ دمٍ ما كانَ منهدِرا
لولا السماحةُ من أصلِ النبيِّ فَما
كانَ السلامُ بهذا الشكلِ مُنْتَشِرا
يا سيّدي يا رسولَ اللهِ بي وجعٌ
مِنْ فرطِ حبٍّ عليكَ القلبُ قد شُهِرا
ناداكَ لطفاً هواءُ القدسِ فاعتذرَتْ
مِنْكَ الديارُ على ذنبٍ لها قَهَرا
كانَتْ شتائمُ آلِ الكفرِ واضحةً
تحتالُ حتّى تَشي فيكمْ لِمَنْ صَبَرا
لا حزنَ يوجبُ دمعَ العينِ يا أملي
واللهُ يرفعُ عنكَ الشتمَ و الوِزَرا
فَهْوَ اصطفاكَ من الدنيا لسدرتِهِ
والوحيُ ظلَّ ببابِ اللهِ منتظرا
من قابِ قوسينِ أو أدنى التقيْتَ بِهِ
وكانَ وجهُكَ للرحمنِ قد نَظَرا
واللهِ كنْتَ جليسَ اللهِ وحدَكما
ودارَ كأسٌ أباحَ الآيَ و السورا
سبْحانَ مسراكَ لمْ تعرفْهُ فلسفةٌ
ولا علومٌ تَعي ما دارَ وانتشرا
لمّا التقيْتَ بكلِّ الأنبياءِ بِهِ
صلّيْتَ فيهم أمامَ اللهِ مفتخرا
اللهَ اللهَ
هَوْناً يا بنَ آمنةٍ
واللهِ لولاكَ جمْعُ الرسلِ ما حَضَرا
يأتونَ حولْكَ
راجينَ الشفاعةَ مِنْ
جلبابِ ثوبِكَ والرحمنُ قد غفرا
عرجْتَ فخراً
ولا فخرٌ بما صنعَتْ يمناك
لكنْ رآكَ النورُ وافتخرا
وكنْتَ أسمى
سقاكَ اللهُ رحمتَهُ
سَقْيَ الغمامِ يباسَ الزرعِ والشجرا
يا غوثَ آدمَ
والتفاحُ في يدِهِ
بشرى لآدمَ أنْ تسمو بِهِ بَشَرا
تنّورُ نوحٍ بكى ماءً سكنْتَ بِهِ
طابَ السفينُ
فكنْتَ الماءَ والمطرا
نارُ الخليلِ غدَتْ برداً
وليس بِها بردٌ
ولكنْ رآكَ الجمرُ فاعتبرا
وجئْتَ فدوى لإسماعيلَ
حينَ رأى كبشاً تدلّى من الرحمنِ وانحدرا
وعِرْتَ موسى بياضَ اللونِ في يِدِه
والجيبُ أخفى سواد الكفِّ والهذرا
قامَتْ عصاهُ
على مرآكَ شامخةً
ثعبانَ يلقفُ ما بغيَ العدا سَحَرا
يأجوجُ مدّتْ لذي القرنينِ أمنيةً
كرماكَ سدَّ عليها الأرضَ إذْ قَطَرا
وكانَ عيسى إذا عافى وديعتَهُ
يهديك ذكراً فهلْ آتاكَ ما ذَكَرا
حوتًا تدبّرَ من ذي النونِ غربتَهُ
واسيْتَ نفسَ نبيِّ اللهِ إذ أُسِرا
يا خيرَ خلقِ إلهِ العرشِ معذرةً
إنْ فاقَ قولي صوابَ القولِ أو قَصُرا
منْ بعضِ حبّي رأيْتُ الكونَ أجمعَه
يحيا لأجلْكَ أو يرجو لهُ حذرا
يهناكَ أنّكَ زُرْتَ اللهَ مصطحباً
جبريلَ لكنْ عبرْتَ الحدَّ وانتظرا
وضمَّ وجهَكَ وجهُ الحقِّ لحظتَها
و جاءَ فيكَ جلالُ اللهَ مُختَصَرا
*******************
من قصيدة: اعتكافٌ في محرابِ البردة
بقلم: فارس دعدوش

ليست هناك تعليقات:

ملاك حماد تكتب ... نقطة البداية

لِنتحدث بالعامية هذه مرة علّنا نلامس القلوب 🤍 أحياناً ما بنعرف نقطة البداية بكتير أمور بس نقطة بدايتنا إحنا شخصياً قصة كاملة أو منعطف ما بع...