((( نقاشات )))
1
أيها الكـونُ لو تحدثت يوماً ... أو سَمِعتَ النداءَ مِن أعماقي
فغريبٌ أنا .. عن الناس في فكْري وفي منهجي وفي أخلاقي
لا أرى فيك من جمادٍ وموتٍ ... بل أرى فيك سرَّ هذا الوجودِ
أنت أسمى من الحـياة التي نحـيا بما فيك من نظـير الخـلودِ
نحن نحيا وأنت في أعمق الأزمان تحيا فكل سر لديكا
ثم نضحي في عالم من سكون ... ويمرُّ الفناءُ إلاّ عليكا
وتغيبُ الأشواقُ في عالَم النسـيانِ ما بيننا ولستَ تغيـبُ
أتُرى كيف جئتَ أم كيف أُنشئتَ فكنهُ الوجود فيك عجيـبُ
أيها الكون هل رأيت وجوداً ... غير هذا الوجود أم أنت وحـدكْ
فنجوم تدور في أعمق الأعـماق حتى نظن لاشيء بعـدكْ
إن سـرَّ الحياة لاشـك أدنى ... من حياة أراك فيها تُقيمُ
فـدوام الحياة فـي الأرض يفنى ... ودوام الحياة فيك يدومُ
دُلَّني منهـجا سـوياً لعـلّـي ... لا أبالي بكثرة الآراءِ
ضُمَّني في حنانك السرمديّ النور في بهجة تُزيلُ شقائي
أيُّ شيءٍ هذا الذي يجعل الوقت أميراً على الوجود خفيّـا
فغـريب كُنـهُ الزمـانِ أراهُ ... أزلياً كيانه أبديّا
فهو يحيا قبل الحياة وبعد الموت قبل الوجود بعد الخلودِ
وبـطئ في عـالم وسـريـع ... في سواه وماله من حدودِ
2
أيها الكونُ إنَّني أرقَبُ الأزمان تَفنى وفيكَ تَفنى الدهورُ
أتُرانا كأنما نحن لا شأنٌ وشأنُ الحياة منك حقيرُ
أترانا نراك حقا كما أنت وما خلف ما نرى أسرارُ
أم ترى روحك التي ليس ندري ... كنهها يستقر فيها القرارُ
أسأل النجم لا أرى من جواب ... غير لألآئها فأين الجوابُ
أم ترى أن قولها ليس عندي ... لغة نحوها وليس خطابُ
وأمورٌ تدورُ في خاطري قيَّـدها منهجُ الكلامِ الركيكِ
كـل شيءٍ يسير مِن دونما أنْ ... يسألَ الناسُ ما يُثيرُ شكوكي
كلُّ شيءٍ يكادُ ينطقُ بالأسرارِ في أرفعِ اللغاتِ العجيبـةْ
قَلَّ مَنْ يَفهَمُ الجـمادَ كلاماً ... قَلَّ مَنْ يفْقَهُ الأمورَ الغريبةْ
أ غريبٌ وجـودُنا أم غريبٌ ... عالَمٌ نحن فيهِ ليس نعيـهِ
أيُّ شـيءٍ أتـى بنا وتوارى ... فهو يدري بنا وما نحنُ فيهِ
ما الذي خلفها العوالم تنأى ... أحياةٌ تجلُّ في معناهـا
أم وجودٌ بلا انتهاءٍ تمادى ... سعةً لا تحدُّها منتهاهـا
إن رباً سَوّاكَ أعظمُ مِـن أنْ ... يدركَ الفكرُ كنهَهُ وأجَـلُّ
رُبَّ خَلْقٍ تراهُ مِنكَ عظيماً ... وهْو للخالِقِ العظيمِ أذلُّ
فعظيماً أراك في دقة التكـوين لكنَّ مَن أتى بكَ أعظمْ
وحليماً على الحوادث تحيا ... فالذي أنشأ الحليم لأحلمْ
نتلهّى عن الوجودِ بعَيشٍ ... قَلَّ في شأنهِ بما نحن فيهِ
ثُمَّ نفنى وكلُّ شيءٍ جليلٌ ... لو عَلِمنا لَعَيشُنا نزدريـهِ
أيها الكونُ في سكونكَ فجرٌ ... مِن كلامٍ والناسُ عنهُ نِيامُ
فحـديثُ الظلام أبلغُ قـولاً ... مِن نهارٍ تَشوبُهُ الأوهـامُ
شَدَّني نحــوكَ الـتفكُّرُ إني ... لا أحبُّ الحياةَ مِن دون فِكْرِ
فشقائي علـى التفكُّرِ أحـلى ... مِن نعيمٍ يفنى به كلُّ عمري
إنَّ عمري أراهُ مِن دون معنىً ... إن جهلتُ الجوابَ عمّا أراهُ
كلُّ شيء يرمي عليَّ سؤالاً ... وسؤالاً يجلُّ في معناهُ
ثمَّ يدعوني التفكُّرُ بالأشياءِ وهْمٌ يقودُ للانعزالِ
كلُّ شيءٍ لدى الأنامِ طبيعِيٌّ ولكنَّهُ يُثيرُ خيالي
فجمالُ الحياةِ يمنعُهُ القبرُ فماذا يحسُّ أهلُ القبـورِ ؟
ولمـاذا لا نستطــيعُ حـواراً بينهم كي نرى اختلافَ الأمورِ
إن أكُــنْ ميِّتاً ولم أ كُ شـيئاً فلماذا أعودُ بعد حياتي
ولماذا المــماتُ بَـعدَ الحـياةِ ولماذا الحياةُ بعد الممـاتِ ؟
أيُّ سرٍّ هذا الذي يبعثُ ا لأوهامَ نحوي فلا أكادُ أُجيبُ
أم تراها حقائقٌ تنشدُ التقديسَ في عالَمٍ يراها اللبيـبُ
3
ما الذي يبعثُ الضياءَ مِنَ النجم ويُحيي بأرضنا الدورانا
ما الذي يُلهِمُ الأنامَ شُعوراً ... فتحسُّ الأفراحَ والأحزانا
ولماذا نحسها دونما الحيْوانِ في ظاهرٍ لـهُ والنبـاتُ
أم ترانا نعيش في عالَمٍ نفـهَمُهُ دونَ فَهْمِها الكائنـاتُ
وعلى أيِّ منهج نَظَّم الناسُ علاقاتهم وأيِّ اعتقـادِ
لم يروا غـيرهُ أجـلَّ وأرقى ... أمْ به ينظرون درب الرشادِ ؟
فلماذا الضعيفُ يُسـحَقُ فينا ... والأناشيــدُ للطغاةِ الكِبارِ ؟
ويُعَـزُّ الغـنيُّ في كُلِّ حـالٍ ... ويــلاقي الفقيرُ كُلَّ احتقارِ
ولماذا أهـلُ الفسـادِ يُلاقونَ احتقاراً ممَّـن يُظَنُّ عفيفـا
رُبَّ شخص تـراهُ يوماً بذنبٍ ... وهْوَ طولَ الزمانِ عاشَ نظيفا
وفسـادُ العقـولِ أعظـمُ ذنباً ... مِن فسادٍ يجيءُ ثُمَّ يــروحُ
وفســاد الأطباع أقبـحُ إثماً ... مِن قبيحٍ والطبعُ فيهِ مليـحُ
ما لسحرِ الحياةِ ضـاعَ بقـومٍ هَمُّهُمْ في الحياةِ همُّ البطـون ؟
والمبـاهاتُ بالسـفاسفِ دوماً ... واكتنازُ الأموالِ في كل حيـنِ
ولمـاذا أشـذُّ عـن هـؤلاء الناس أحيا وفيّ نفس كئيبـةْ
فلعلّي أعيشُ فـي الحُمْقِ يوماً ... وأُماشي الحمقى بنفسٍ رحيبةْ
حـقَّ للظالمين أنْ يظـلمونا ... إذْ رأونا نسـيرُ بالإرهـابِ
ونرى في اللطيف ضعفاً ونغدو ... أقوياءً علية دون انجـذابِ
وعلـى ذاك كل شـيءٍ نراهُ ... ليس حُلواً لأننا جهـلاءُ
كيف نرجو الوفاء مـن غادرٍ نحن غدرناهُ فهْـو منهُ الشـقاءُ
حيرتي ليسَ حيرةُ الراهبِ الزنديقِ أو فلسفاتُ أهلِ الكـلامِ
بل حديثٌ يجلُّ فوق معاني الحبِّ لله في نقاشِ الأنـامِ
فَحَرِيٌّ بنا التفكُّرُ في الأشياءِ إذْ نحنُ أهلُ فِكْرٍ ودِيـنِ
ليس يعطي الإلهُ فِكراً ليضحي ... جامداً يدّعي ثباتَ اليقيـنِ
نحن في عالَمٍ تكاثَرَت الأقوالُ فيهِ عن فلسفاتِ الوجـودِ
فعلام السكوتُ في غمرةِ الأحداث حتى نُظنُّ أهل جمـودِ ؟
قَيَّدَتْنا مِنَ التراثِ أمورٌ ... نحن مِنْ اجْلِها نشُدُّ النطاقا
ثمَّ صِرنا على العداوةِ نحيا ... والورى عانقوا السماءَ انطلاقا
فغدونا أهلَ الشقاوةِ في الغــربِ وهذا لَعَمْرُنا لَصحيحُ
إنما فخرُنا الجدودُ وهمْ فخـرُهُمُ واضحُ العلومِ صريــحُ
أ فـهـذا أحَـقُّ أن نزدريـهِ ... أمْ نشُدُّ الخُطى لكلِّ سمـيِّ ..؟
شعر/د. رشيد هاشم الفرطوسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق